فصل: إحراز

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


إحراز

التّعريف

1 - الإحراز لغةً‏:‏ حفظ الشّيء وصيانته عن الأخذ‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ المذكور فقد عرّفه النّسفيّ بأنّه‏:‏ جعل الشّيء في الحرز، وهو الموضع الحصين‏.‏ هذا والإحراز إمّا أن يكون بحصانة موضعه، وهو كلّ بقعة معدّة للإحراز، ممنوع من الدّخول فيها إلاّ بإذن، كالدّور والحوانيت والخيم والخزائن والصّناديق، وإمّا أن يكون بحافظ يحرسه‏.‏ والمحكّم في الحرز العرف، إذ لم يحدّ في الشّرع ولا في اللّغة‏.‏ وهو يختلف باختلاف الأموال والأحوال والأوقات‏.‏ وضبطه الغزاليّ بما لا يعدّ صاحبه مضيّعاً له‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

2 - الحيازة‏:‏ هي وضع اليد على الشّيء والاستيلاء عليه‏.‏ وقد يكون الشّيء المحوز في حرز أو لا يكون، لهذا فالحيازة أعمّ من الإحراز‏.‏

3 - الاستيلاء‏:‏ هو القهر والغلبة ولو حكماً في أخذ الشّيء من حرزه ووضع اليد عليه‏.‏ فهو مختلف أيضاً عن مطلق الإحراز، وأخصّ منه‏.‏ الحكم الإجمالي

4 - الإحراز عند جمهور الفقهاء شرط من شروط القطع في السّرقة للمال المملوك‏.‏ مواطن البحث

5 - يبحث الإحراز في السّرقة عند الحديث عن شروطها، وفي العقود الّتي بها ضمان كالوديعة وغيرها‏.‏

إحراق

التّعريف

1 - الإحراق لغةً مصدر أحرق‏.‏ أمّا استعماله الفقهيّ فيؤخذ من عبارات بعض الفقهاء أنّ الإحراق هو إذهاب النّار الشّيء بالكلّيّة، أو تأثيرها فيه مع بقائه، ومن أمثلة النّوع الأخير‏:‏ الكيّ والشّيّ

الألفاظ ذات الصّلة

2 - للإحراق صلة بألفاظ اصطلاحيّة كثيرة أهمّها‏:‏

أ - الإتلاف‏:‏ وهو الإفناء، وهو أعمّ من الإحراق‏.‏

ب - التّسخين‏:‏ وهو تعريض الشّيء للحرارة، فهو غير الإحراق‏.‏

ج - الغلي‏:‏ وهو آخر درجات التّسخين، ويختلف باختلاف المادّة المراد غليها، فهو غير الإحراق‏.‏

صفته ‏(‏حكمه التّكليفيّ‏)‏‏:‏

3 - يختلف حكم الإحراق باختلاف ما يراد إحراقه، فتعتريه الأحكام التّكليفيّة الخمسة‏.‏

أثر الإحراق من حيث التّطهير‏:‏

4 - ذهب المالكيّة في المعتمد ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة وهو المختار للفتوى وهو غير ظاهر المذهب عند الحنابلة إلى أنّ الإحراق إذا تبدّلت به العين النّجسة بتبدّل أوصافها أو انقلاب حقيقتها حتّى صارت شيئاً آخر، وذلك كالميتة إذا احترقت فصارت رماداً أو دخاناً، فإنّ ما يتخلّف من الإحراق يكون طاهراً، ومن باب أولى إذا كانت العين طاهرةً في الأصل وتنجّست، كالثّوب المتنجّس‏.‏ ودليلهم قياس ذلك على الخمر إذا تخلّلت والإهاب إذا دبغ‏.‏ وذهب الشّافعيّة والمالكيّة في غير المعتمد، وأبو يوسف، وهو ظاهر المذهب الحنبليّ، إلى أنّ الإحراق لا يجعل ما يتخلّف منه شيئاً آخر، فيبقى على نجاسته‏.‏ وسواء في ذلك العين النّجسة، أو المتنجّسة، لقيام النّجاسة؛ لأنّ المتخلّف من الإحراق جزء من العين النّجسة‏.‏ وفصّل بعض المالكيّة فقالوا‏:‏ إن أكلت النّار النّجاسة أكلاً قويّاً فرمادها طاهر، وإلاّ فنجس‏.‏ هذا وإنّ من قال من الفقهاء بنجاسة المتخلّف من إحراق النّجس ذهبوا إلى أنّه يعفى عن قليله للضّرورة؛ ولأنّ المشقّة تجلب التّيسير‏.‏

طهارة الأرض بالشّمس والنّار

5 - إذا أصابت الأرض نجاسة، فجفّت بالشّمس أو النّار، وذهب أثرها، وهو هنا اللّون والرّائحة، جازت الصّلاة مكانها عند الحنفيّة، واستدلّوا بقول النّبيّ عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ذكاة الأرض يبسها»‏.‏ وعن ابن عمر قال‏:‏ «كنت أبيت في المسجد في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكنت فتًى شابّاً عزباً، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد ولم يكونوا يرشّون شيئاً من ذلك»‏.‏ كما ذهبوا إلى أنّه لا يجوز التّيمّم به؛ لأنّ طهارة الصّعيد شرط بنصّ الكتاب وقال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فتيمّموا صعيداً طيّباً‏}‏ وطهارة الأرض بالجفاف ثبتت بدليل ظنّيّ، فلا يتحقّق بها الطّهارة القطعيّة المطلوبة للتّيمّم بنصّ الآية‏.‏ وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة إلى أنّ الأرض لا تطهر بالجفاف، ولا يجوز الصّلاة على مكانها ولا التّيمّم بها؛ لأنّ النّجاسة حصلت في المكان، والمزيل لم يوجد‏.‏

تمويه المعادن بالنّجس

6 - الإجماع على أنّه لو سقي الحديد بنجس، فغسل ثلاثاً، يطهر ظاهره، فإذا استعمل بعدئذ في شيء لا ينجس‏.‏ وعند الحنفيّة عدا محمّد وهو وجه عند الشّافعيّة أنّه يطهر مطلقاً لو سقي بالطّاهر ثلاثاً، وذلك بالنّسبة لحمله في الصّلاة‏.‏ وعند محمّد بن الحسن أنّه لا يطهر أبداً‏.‏ وهذا بالنّسبة للحمل في الصّلاة‏.‏ أمّا لو غسل ثلاثاً ثمّ قطع به نحو بطّيخ، أو وقع في ماء قليل، لا ينجّسه‏.‏ فالغسل يطهّر ظاهره إجماعاً‏.‏ وهناك قول آخر للشّافعيّة، اختاره الشّاشيّ، أنّه يكتفى لتطهير الحديد المسقيّ بنجس بتطهيره ظاهراً؛ لأنّ الطّهارة كلّها جعلت على ما يظهر لا على الجوف‏.‏ وعند المالكيّة إن سقي الحديد المحمى والنّحاس وغيرهما بنجس لا ينجّسهما ويبقيان على طهارتهما لعدم سريان النّجاسة فيهما لاندفاع النّجاسة بالحرارة‏.‏

الاستصباح بالنّجس والمتنجّس الاستصباح بالدّهن النّجس

7 - عند الحنابلة، وهو ظاهر الرّواية عند الحنفيّة، شحوم الميتة لا يجوز الاستصباح بها‏.‏ وعلّلوا ذلك بأنّه عين النّجاسة وجزؤها‏.‏ ويؤيّده ما في صحيح البخاريّ عن جابر أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عام الفتح يقول وهو بمكّة‏:‏ «إنّ اللّه حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام‏.‏ فقيل‏:‏ يا رسول اللّه أرأيت شحوم الميتة، فإنّه يطلى بها السّفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها النّاس‏؟‏ قال‏:‏ لا، هو حرام»‏.‏ الحديث‏.‏ ونحوهم المالكيّة حيث قالوا‏:‏ لا ينتفع بالنّجس إلاّ شحم ميتة لدهن العجلات ونحوها‏.‏ وذلك في غير مسجد، لا فيه‏.‏ وعند الشّافعيّة‏:‏ يحلّ مع الكراهة في غير المسجد الاستصباح بالدّهن النّجس‏.‏

الاستصباح بالدّهن المتنجّس

8 - اختلفت الآراء في الاستصباح بالأدهان المتنجّسة‏:‏ ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في المشهور عندهم وهو رواية عند الحنابلة اختارها الخرقيّ، أنّه يجوز الاستصباح به في غير المسجد، إلاّ إذا كان المصباح خارج المسجد والضّوء فيه فيجوز؛ لأنّه أمكن الانتفاع به من غير ضرر، فجاز كالطّاهر‏.‏ وهو مرويّ عن ابن عمر‏.‏ وذهب الحنابلة في الرّواية الأخرى، وهو اختيار ابن المنذر، إلى أنّه لا يجوز مطلقاً؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «سئل عن شحوم الميتة تطلى بها السّفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها النّاس‏؟‏ فقال‏:‏ لا، هو حرام»‏.‏ متّفق عليه‏.‏ فقد سوّوا بين النّجس والمتنجّس‏.‏

دخان وبخار النّجاسة المحرقة

9 - ذهب الحنفيّة في الصّحيح عندهم وهو المعتمد عند المالكيّة وهو اختيار ابن رشد وبعض من متأخّري الشّافعيّة وهو غير ظاهر المذهب عند الحنابلة إلى القول بالطّهارة مطلقاً‏.‏ وذهب الحنفيّة في مقابل الصّحيح، وهو ظاهر المذهب الحنبليّ، واختاره من المالكيّة اللّخميّ والتّونسيّ والمازريّ وأبو الحسن وابن عرفة ووصفه بعضهم بأنّه المشهور، إلى عدم طهارة الدّخان المتصاعد من وقود النّجاسة، والبخار المتصاعد من الماء النّجس إذا اجتمعت منه نداوة على جسم صقيل ثمّ قطر فهو نجس، وما يصيب الثّوب من بخار النّجاسة ينجّسه‏.‏ وذهب بعض الشّافعيّة إلى أنّ دخان النّجاسة نجس يعفى عن قليله‏.‏ وبخار النّجاسة إذا تصاعد بواسطة نار نجس؛ لأنّ أجزاء النّجاسة تفصلها النّار بقوّتها فيعفى عن قليله‏.‏ وإذا طبخ طعام بروث آدميّ، أو بهيمة، أو أوقد به تحت هباب فصار نشادراً، فالطّعام طاهر إن لم يكن ما أصابه من دخان النّجاسة كثيراً، وإلاّ تنجّس‏.‏ وكذا النّشادر إن كان هبابه طاهراً، وإلاّ فهو نجس‏.‏ فالهباب المعروف المتّخذ من دخان السّرجين أو الزّيت المتنجّس إذا أوقد به نجس، كالرّماد، ويعفى عن قليله؛ لأنّ المشقّة تجلب التّيسير‏.‏

التّيمّم بالرّماد

10 - كلّ شيء أحرق حتّى صار رماداً لم يجز التّيمّم به بالإجماع‏.‏ أمّا ما أحرق ولم يصر رماداً فذهب الحنفيّة وهو أصحّ الأقوال عند الشّافعيّة، إلى جواز التّيمّم منه؛ لأنّه بالإحراق لم يخرج عن أصله‏.‏ وذهب المالكيّة، وهو المعتمد عند الحنابلة، وقول للشّافعيّة، إلى أنّه لا يجوز التّيمّم بكلّ ما احترق، لخروجه بذلك عن كونه صعيداً‏.‏ وتفصيل ما يصحّ التّيمّم منه وما لا يصحّ في مصطلح ‏(‏تيمّم‏)‏‏.‏

الماء المتجمّع تحت الجلد بالاحتراق النّفطة

11 - النّفطة تحت الجلد لا يحكم عليها بنجاسة ولا نقض للوضوء‏.‏ أمّا إذا خرج ماؤها فقد أجمعوا على نجاسته، ويعفى عمّا يعتبر منه قليلاً تبعاً لكلّ مذهب في ضابط القلّة والكثرة في المعفوّات‏.‏ أمّا نقض الوضوء بخروجه فهو مذهب الحنفيّة إن سال عن مكانه، والحنابلة إن كان فاحشاً، خلافاً للمالكيّة والشّافعيّة فهو غير ناقض عندهم، كما يستفاد من عدم ذكرهم له بين نواقض الوضوء‏.‏

تغسيل الميّت المحترق

12 - ذهب الفقهاء إلى أنّ من احترق بالنّار يغسّل كغيره من الموتى إن أمكن تغسيله؛ لأنّ الّذي لا يغسّل إنّما هو شهيد المعركة ولو كان محترقاً بفعل من أفعالها‏.‏ أمّا المحترق خارج المعركة فهو من شهداء الآخرة‏.‏ ولا تجري عليه أحكام شهداء المعركة‏.‏ فإن خيف تقطّعه بالغسل يصبّ عليه الماء صبّاً ولا يمسّ‏.‏ فإن خيف تقطّعه بصبّ الماء لم يغسّل وييمّم إن أمكن، كالحيّ الّذي يؤذيه الماء‏.‏ وإن تعذّر غسل بعضه دون بعض غسّل ما أمكن غسله وييمّم الباقي كالحيّ سواء‏.‏

الصّلاة على المحترق المترمّد

13 - ذهب ابن حبيب من المالكيّة والحنابلة وبعض المتأخّرين من الشّافعيّة إلى أنّه يصلّى عليه مع تعذّر الغسل والتّيمّم‏.‏؛ لأنّه لا وجه لترك الصّلاة عليه؛ لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، لما صحّ من قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، ولأنّ المقصود من هذه الصّلاة الدّعاء والشّفاعة للميّت‏.‏ أمّا عند الحنفيّة وجمهور الشّافعيّة والمالكيّة فلا يصلّى عليه؛ لأنّ بعضهم يشترط لصحّة الصّلاة على الجنازة تقدّم غسل الميّت، وبعضهم يشترط حضوره أو أكثره، فلمّا تعذّر غسله وتيمّمه لم يصلّ عليه لفوات الشّرط‏.‏

الدّفن في التّابوت

14 - يكره دفن الميّت في تابوت بالإجماع؛ لأنّه بدعة، ولا تنفّذ وصيّته بذلك، ولا يكره للمصلحة، ومنها الميّت المحترق إذا دعت الحاجة إلى ذلك‏.‏

الإحراق في الحدود والقصاص والتّعزير الإحراق العمد

15 - يعتبر الإحراق بالنّار عمداً جناية عمد‏.‏ وتجري عليه أحكام العمد؛ لأنّها تعمل عمل المحدّد‏.‏ وتفصيله في ‏(‏الجنايات‏)‏‏.‏

القصاص بالإحراق

16 - ذهب الشّافعيّة؛ وهو المشهور عند المالكيّة، ورواية عند الحنابلة، إلى قتل القاتل بما قتل به ولو ناراً‏.‏ ويكون القصاص بالنّار مستثنًى من النّهي عن التّعذيب بها‏.‏ واستدلّوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏}‏ وبما أخرجه البيهقيّ والبزّار عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث البراء، وفيه‏:‏ «من حرق حرقناه»‏.‏ وذهب الحنفيّة، وهو غير المشهور عند المالكيّة، والمعتمد عند الحنابلة، إلى أنّ القود لا يكون إلاّ بالسّيف وإن قتل بغيره، قلو اقتصّ منه بالإلقاء في النّار عزّر‏.‏ واستدلّوا بحديث النّعمان بن بشير مرفوعاً‏:‏ «لا قود إلاّ بالسّيف»‏.‏ ورواه ابن ماجه والبزّار والطّحاويّ والطّبرانيّ والبيهقيّ بألفاظ مختلفة‏.‏

موجب تعذيب السّيّد عبده بالنّار

17 - اختلف العلماء في موجب تعذيب السّيّد عبده بالنّار، فقال أكثرهم‏:‏ لا يعتق عليه‏.‏ وذهب مالك والأوزاعيّ؛ واللّيث إلى عتق العبد بذلك، ويكون ولاؤه له، ويعاقبه السّلطان على فعله‏.‏ واستدلّوا بأثر عمر رضي الله عنه، أخرجه مالك في الموطّأ بلفظ‏:‏ وليدة أتت عمر، وقد ضربها سيّدها بنار، فأصابها بها‏.‏ فأعتقها عليه‏.‏ وأخرجه أيضاً الحاكم في المستدرك‏.‏

العقوبة في اللّواط بالإحراق

18 - يرى الإمام أبو حنيفة أنّ عقوبة اللّواط سواء اللاّئط والملوط به التّعزير، ويجيز للحاكم أن يكون التّعزير بالإحراق‏.‏ وإلى هذا الرّأي ذهب ابن القيّم وأوجب إحراقهما ابن حبيب من المالكيّة، خلافاً للجمهور الّذين يرون أنّ عقوبتهما لا تكون بالإحراق وتفصيل ذلك في ‏(‏الحدود‏)‏‏.‏ واستدلّ من رأى الإحراق بفعل الصّحابة وعلى رأسهم أبو بكر‏.‏ وتشدّد في ذلك عليّ رضي الله عنهم‏.‏

إحراق الدّابّة الموطوءة

19 - لا يحدّ شخص بوطء بهيمة، بل يعزّر وتذبح البهيمة، ثمّ تحرق إذا كانت ممّا لا يؤكل، وذلك لقطع امتداد التّحدّث به كلّما رئيت‏.‏ وليس بواجب كما في الهداية‏.‏ وإن كانت الدّابّة تؤكل جاز أكلها عند أبي حنيفة والمالكيّة، وقال أبو يوسف ومحمّد من، الحنفيّة‏:‏ تحرق أيضاً، وفي القنية‏:‏ تذبح وتحرق على الاستحباب ولا يحرم أكلها‏.‏ ولأحمد والشّافعيّ قول بقتلها بغير ذبح؛ لأنّ بقاءها يذكّر بالفاحشة فيعيّر بها‏.‏ والقول الآخر لا بأس بتركها‏.‏

التّحجير بالإحراق

20 - من حجّر أرضاً ميّتةً بأن منع غيره منها بوضع علامة فهو أحقّ بها‏.‏ وممّا يتحقّق به التّحجير إحراق ما في الأرض من الشّوك والأشجار لإصلاح الأرض‏.‏

إيقاد النّار في المساجد والمقابر

21 - يكره إيقاد النّار في المسجد لغير مصلحة، كالتّبخير والاستصباح والتّدفئة؛ لأنّه إذا لم يكن لمصلحة كان تشبّهاً بعبدة النّار، فهو حينئذ حرام‏.‏ وأمّا إيقاد النّار، كالسّرج وغيرها، عند القبور فلا يجوز، لحديث‏:‏ «لعن اللّه زائرات القبور والمتّخذين عليها السّرج»‏.‏ فإذا كانت هناك مصلحة ظاهرة تقتضي الإضاءة كدفن الميّت ليلاً فهو جائز‏.‏

التّبخير عند الميّت

22 - يستحبّ عند الجمهور تبخير أكفان الميّت بالعود، وهو أن يترك العود على النّار في مجمر، ثمّ يبخّر به الكفن حتّى تعبق رائحته ويطيب‏.‏ ويكون ذلك بعد أن يرشّ عليه ماء الورد لتعلق الرّائحة به‏.‏ وتجمر الأكفان قبل أن يدرج الميّت فيها وتراً‏.‏ والأصل فيه ما روي عن جابر، قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أجمرتم الميّت فأجمروه ثلاثاً» رواه أحمد، وأخرجه أيضاً البيهقيّ والبزّار‏.‏ وقيل‏:‏ رجاله رجال الصّحيح‏.‏ وأخرج نحوه أحمد بن حنبل‏.‏‏.‏ واختلفوا في الميّت المحرم على رأيين‏:‏ فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى جواز تجميره، قياساً على الحيّ، ولأنّه انقطع إحرامه بموته، وسقط عنه التّكليف‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ لا يبطل إحرامه، فلا يجمر هو ولا أكفانه‏.‏ والأصل في ذلك قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الّذي وقصته النّاقة «اغسلوه بماء وسدر، وكفّنوه في ثوبين، ولا تمسّوه طيباً، ولا تخمّروا رأسه، فإنّه يبعث يوم القيامة ملبّياً»‏.‏

اتّباع الجنازة بنار

23 - اتّفق الفقهاء على كراهة اتّباع الجنازة بنار في مجمرة أو غيرها، وإن كانت بخوراً‏.‏ وكذلك مصاحبتها للميّت، للأخبار الآتية‏.‏ ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على الكراهة؛ لأنّ ذلك من فعل الجاهليّة، وقد حرّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك، وزجر عنه‏.‏ فقد روي «أنّه خرج في جنازة، فرأى امرأةً في يدها مجمر، فصاح عليها وطردها حتّى توارت بالآكام»، وروى أبو داود بإسناده عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار»، وقد أوصى كثير من الصّحابة بألاّ يتبعوا بنار بعد موتهم‏.‏ وروى ابن ماجه أنّ أبا موسى حين حضره الموت قال‏:‏ لا تتبعوني بمجمر‏.‏ قالوا له‏:‏ أو سمعت فيه شيئاً‏؟‏ قال‏:‏ نعم من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ فإن دفن ليلاً، فاحتاجوا إلى ضوء، فلا بأس به‏.‏ وإنّما كره المجامر الّتي فيها البخور‏.‏

الإحراق المضمون وغير المضمون

24 - إذا أوقد الشّخص ناراً في أرضه أو في ملكه، أو في موات حجره، أو فيما يستحقّ الانتفاع به، فطارت شرارة إلى دار جاره فأحرقتها، فإن كان الإيقاد بطريقة من شأنها ألاّ تنتقل النّار إلى ملك الغير، فإنّه لا يضمن‏.‏ أمّا إن كان الإيقاد بطريقة من شأنها انتقال النّار إلى ملك الغير، فإنّه يضمن ما أتلفته النّار، وذلك كأن كان الإيقاد والرّيح عاصفة، أو وضع مادّةً من شأنها انتشار النّار، إلى غير ذلك ممّا هو معروف‏.‏ وعدم الضّمان في الحالة الأولى مرجعه إلى قياسها على سراية الجرح في قصاص الأطراف، وفي الثّانية بسبب التّقصير‏.‏ فإن أوقد ناراً في غير ملكه أو ما لا يملك الانتفاع ضمن ما أتلفته النّار؛ لأنّه متعدّ‏.‏

ملكيّة المغصوب المتغيّر بالإحراق

25 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة، وهو قول عند أحمد، إلى أنّه إذا تغيّرت العين المغصوبة بفعل الغاصب حتّى زال اسمها وأعظم منافعها زال ملك المغصوب منه عنها، وملكها الغاصب وضمنها‏.‏ ولا يحلّ له الانتفاع بها حتّى يؤدّي بدلها، كمن غصب شاةً وذبحها وشواها أو طبخها، أو حديداً فاتّخذه سيفاً، أو نحاساً فعمله آنيةً‏.‏ وسبب انتقال الملكيّة أنّ الغاصب أحدث صنعةً متقوّمةً؛ لأنّ قيمة الشّاة تزداد بطبخها أو شيّها، وبهذا يعتبر حقّ المالك هالكاً من وجه، ألا ترى أنّه تبدّل الاسم وفات معظم المقاصد‏.‏ وحقّ الغاصب في الصّنعة قائم من كلّ وجه، وما هو قائم من كلّ وجه مرجّح على الأصل الّذي هو فائت وهالك من وجه‏.‏ وعلى هذا يخرج ما إذا كان المغصوب لحماً، فشواه أو طبخه، أو حديداً فضربه سكّيناً، أو تراباً له قيمة فاتّخذه خزفاً، ونحو ذلك؛ لأنّه ليس للمالك أن يستردّ شيئاً من ذلك، ويزول ملكه بضمان المثل أو القيمة، وتبطل ولاية الاسترداد، كما إذا استهلكه حقيقةً‏.‏ وقال الشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة ورواية عن أبي يوسف‏:‏ لا ينقطع حقّ المالك، ولا يزول ملك صاحبه عنه؛ لأنّ بقاء العين المغصوبة يوجب بقاء ملك المالك؛ لأنّ الواجب الأصليّ في الغصب ردّ العين عند قيامها، والعين باقية، فتبقى على ملكه، وتتبعه الصّنعة الحادثة؛ لأنّها تابعة للأصل، ولا معتبر بفعله؛ لأنّه محظور فلا يصلح سبباً للملك‏.‏ وعن محمّد بن الحسن أنّه يخيّر بين القيمة أو العين مع الأرش‏.‏ وذكر أبو الخطّاب‏:‏ أنّ الغاصب يشارك المالك بكلّ الزّيادة؛ لأنّها حصلت بمنافعه، ومنافعه أجريت مجرى الأعيان، فأشبه ما لو غصب ثوباً فصبغه، وذلك بأن تقوّم العين المغصوبة غير مصنّعة، ثمّ تقوّم مصنّعةً، فالزّيادة تكون للغاصب على هذا الرّأي‏.‏

ما يباح إحراقه وما لا يباح

26 - الأصل أنّ المصحف الصّالح للقراءة لا يحرق، لحرمته، وإذا أحرق امتهاناً يكون كفراً عند جميع الفقهاء‏.‏ وهناك بعض المسائل الفرعيّة، منها‏:‏ قال الحنفيّة‏:‏ المصحف إذا صار خلقاً، وتعذّر القراءة منه، لا يحرق بالنّار، بل يدفن، كالمسلم‏.‏ وذلك بأن يلفّ في خرقة طاهرة ثمّ يدفن‏.‏ وتكره إذابة درهم عليه آية، إلاّ إذا كسر، فحينئذ لا يكره إذابته، لتفرّق الحروف، أو؛ لأنّ الباقي دون آية‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ حرق المصحف الخلق إن كان على وجه صيانته فلا ضرر، بل ربّما وجب‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ الخشبة المنقوش عليها قرآن في حرقها أربعة أحوال‏:‏ يكره حرقها لحاجة الطّبخ مثلاً، وإن قصد بحرقها إحرازها لم يكره، وإن لم يكن الحرق لحاجة، وإنّما فعله عبثاً فيحرم، وإن قصد الامتهان فظاهر أنّه يكفر‏.‏ وذهب الحنابلة إلى جواز تحريق المصحف غير الصّالح للقراءة‏.‏ أمّا كتب الحديث والفقه وغيرها فقال المالكيّة‏:‏ إن كان على وجه الاستخفاف فإحراقها كفر مثل القرآن، وأيضاً أسماء اللّه وأسماء الأنبياء المقرونة بما يدلّ على ذلك مثل‏:‏ «عليه الصلاة والسلام ‏"‏ لا مطلق الأسماء‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ هذه الكتب إذا كان يتعذّر الانتفاع بها يمحى عنها اسم اللّه وملائكته ورسله ويحرق الباقي‏.‏

إحراق السّمك والعظم وغيرهما

27 - ذهب المالكيّة إلى جواز إلقاء السّمك في النّار حيّاً لشيّه‏.‏ كما أباحوا إحراق العظم وغيره للانتفاع به‏.‏ ووافقهم الشّافعيّة على الرّاجح في إحراق العظم‏.‏ وكره الإمام أحمد شيّ السّمك الحيّ ولكن لا يكره أكله‏.‏ ونصّ الحنابلة على أنّه لا يكره شيّ الجراد حيّاً، لما أثر من فعل الصّحابة ذلك أمام عمر رضي الله عنه من غير نكير، ولا يجوز عند الجميع إضاعة المال بالإحراق أو غيره‏.‏

الإحراق بالكيّ للتّداوي

28 - إذا لم يكن حاجة إلى التّداوي بالكيّ فإنّه حرام؛ لأنّه تعذيب بالنّار، ولا يعذّب بالنّار إلاّ خالقها‏.‏ وأمّا إذا تعيّن الكيّ فإنّه مباح سواء أكان ذلك الحديد أو غيره‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏تداوي‏)‏‏.‏

الوسم بالنّار

29 - الوسم في الوجه بالنّار منهيّ عنه بالإجماع في غير الآدميّ‏.‏ ومن باب أولى وسم الآدميّ، فهو حرام لكرامته؛ ولأنّه لا حاجة إليه، ولا يجوز تعذيبه‏.‏ وذهب جماعة في غير الآدميّ إلى أنّ النّهي للكراهة، وذهب جماعة آخرون إلى تحريمه، وهو الأظهر؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعن فاعله، واللّعن يقتضي التّحريم، حيث قال‏:‏ «أما بلغكم أنّي لعنت من وسم البهيمة في وجهها‏؟‏» أمّا وسم غير الآدميّ في بقيّة الجسم فالجمهور على أنّه جائز، بل مستحبّ، لما روي من فعل الصّحابة في ماشية الزّكاة والجزية‏.‏ وذهب أبو حنيفة إلى كراهته لما فيه من تعذيب ومثلة‏.‏

الانتقال من سبب موت - لآخر أهون

30 - لو شبّت النّار في سفينة أو غيرها فما غلب على ظنّهم السّلامة فيه من بقائهم في أماكنهم أو تركها فعلوه‏.‏ وإن استوى عندهم الأمران فقال الشّافعيّ وأحمد‏:‏ كيف شاءوا صنعوا، وقال الأوزاعيّ‏:‏ هما موتتان فاختر أيسرهما، وصرّح المالكيّة بوجوب الانتقال من سبب الموت الّذي حلّ، إلى سبب آخر إن رجا به حياةً، أو طولها، ولو حصل له معها ما هو أشدّ من الموت؛ لأنّ حفظ النّفوس واجب ما أمكن‏.‏

الإحراق في الحرب

31 - إذا قدر على العدوّ بالتّغلّب عليه فلا يجوز تحريقه بالنّار من غير خلاف يعلم، لما روى «حمزة الأسلميّ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّره على سريّة، فقال‏:‏ فخرجت فيها، فقال‏:‏ إن أخذتم فلاناً فأحرقوه بالنّار فولّيت، فناداني، فرجعت، فقال‏:‏ إن أخذتم فلاناً فاقتلوه ولا تحرّقوه، فإنّه لا يعذّب بالنّار إلاّ ربّ النّار»‏.‏ فأمّا رميهم بالنّار قبل القدرة عليهم مع إمكان أخذهم بغير التّحريق فلا يجوز؛ لأنّهما حينئذ في حكم المقدور عليهم‏.‏ وأمّا عند العجز عنهم بغير التّحريق فجائز في قول أكثر أهل العلم، لفعل الصّحابة والتّابعين في غزواتهم‏.‏ هذا وإن تترّس العدوّ في الحرب ببعض المسلمين، فإن اضطررنا إلى رميهم بالنّار فهو جائز عند الجمهور‏.‏ ومرجع ذلك إلى تقدير المصلحة العامّة‏.‏ والحكم في البغاة والمرتدّين في هذه المسألة كالكفّار في حال القتال‏.‏

إحراق أشجار الكفّار في الحرب

32 - إذا كان في ذلك نكاية بالعدوّ، ولم يرج حصولها للمسلمين، فالإحراق جائز اتّفاقاً‏.‏ بل ذهب المالكيّة إلى تعيّن الإحراق‏.‏ أمّا إذا رجي حصولها للمسلمين، ولم يكن في إحراقها نكاية، فإنّه محظور‏.‏ وصرّح المالكيّة بحرمته‏.‏ وأمّا إذا كان في إحراقها نكاية، ويرجى حصولها للمسلمين، فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى كراهة ذلك‏.‏ بل صرّح الشّافعيّة بندب الإبقاء حفظاً لحقّ الفاتحين‏.‏ وذهب المالكيّة إلى وجوب الإبقاء‏.‏ وإذا كان لا نكاية في إحراقها، ولا يرجى حصولها للمسلمين، فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى جوازه‏.‏ ومقتضى مذهب الشّافعيّة الكراهة؛ لأنّه الأصل عندهم‏.‏ أمّا الحنابلة فالأصل عندهم في هذه المسألة المعاملة بالمثل، ومراعاة مصلحة المسلمين في القتال‏.‏

حرق ما عجز المسلمون عن نقله من أسلحة وبهائم وغيرها

33 - اختلف الفقهاء في الحرق والإتلاف، فقال الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ إذا أراد الإمام العود، وعجز عن نقل أسلحة وأمتعة وبهائم لمسلم أو عدوّ، وعن الانتفاع بها، تحرق وما لا يحرق، كحديد، يتلف أو يدفن في مكان خفيّ لا يقف عليه الكفّار، وذلك لئلاّ ينتفعوا بهذه الأشياء‏.‏ أمّا المواشي والبهائم والحيوانات فتذبح وتحرق، ولا يتركها لهم؛ لأنّ الذّبح يجوز لغرض صحيح، ولا غرض أصحّ من كسر شوكة الأعداء وتعريضهم للهلكة والموت، ثمّ يحرق بالنّار لتنقطع منفعته عن الكفّار، وصار كتخريب البنيان والتّحريق لهذا الغرض المشروع، بخلاف التّحريق قبل الذّبح، فلا يجوز؛ لأنّه منهيّ عنه‏.‏ وفيه أحاديث كثيرة منها ما أخرج البزّار في مسنده عن عثمان بن حبّان قال‏:‏ «كنت عند أمّ الدّرداء رضي الله عنها، فأخذت برغوثاً فألقيته في النّار، فقالت‏:‏ سمعت أبا الدّرداء يقول‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يعذّب بالنّار إلاّ ربّ النّار»‏.‏ وللمالكيّة تفصيل، قالوا‏:‏ يجهز على الحيوان وجوباً، للإراحة من التّعذيب بإزهاق روحه أو قطع عرقوبه، أو الذّبح الشّرعيّ ويحرق الحيوان ندباً بعد إتلافه إن كان الأعداء يستحلّون أكل الميتة، ولو ظنّاً، لئلاّ ينتفعوا به‏.‏ فإن كانوا لا يستحلّون أكل الميتة لم يطلب التّحريق في هذه الحالة وإن كان جائزاً‏.‏ والأظهر في المذهب طلب تحريقه مطلقاً، سواء استحلّوا أكل الميتة أم لا، لاحتمال أكلهم له حال الضّرورة‏.‏ وقيل‏:‏ التّحريق واجب، ورجح‏.‏ وقال اللّخميّ‏:‏ إن كانوا يرجعون إليه قبل فساده وجب التّحريق، وإلاّ لم يجب؛ لأنّ المقصود عدم انتفاعهم به، وقد حصل بالإحراق‏.‏

34 - وقال الشّافعيّة والحنابلة وعامّة أهل العلم، منهم الأوزاعيّ واللّيث‏:‏ لا يجوز في غير حال الحرب عقر الدّوابّ وإحراق النّحل وبيوته لمغايظة الكفّار والإفساد عليهم، سواء خفنا أخذهم لها أو لم نخف‏.‏ وذلك بخلاف حال الحرب حيث يجوز قتل المشركين ورميهم بالنّار، فيجوز إتلاف البهائم؛ لأنّه يتوصّل بإتلاف البهائم إلى قتل الأعداء‏.‏ واستدلّوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل واللّه لا يحبّ الفساد‏}‏‏.‏ ولأنّ أبا بكر الصّدّيق رضي الله عنه قال في وصيّته ليزيد بن أبي سفيان، حين بعثه أميراً‏:‏ يا يزيد لا تقتل صبيّاً ولا امرأةً ولا هرماً، ولا تخرّبنّ عامراً، ولا تعقرنّ شجراً مثمراً، ولا دابّةً عجماء، ولا شاةً إلاّ لمأكلة، ولا تحرّقن نحلاً ولا تغرقنّه، ولا تغلل ولا تجبن ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل شيء من الدّوابّ صبراً ولأنّه حيوان ذو حرمة فلم يجز قتله لغيظ المشركين

ما يحرق للغالّ وما لا يحرق

35 - الغالّ هو الّذي يكتم ما يأخذه من الغنيمة، فلا يطلع الإمام عليه، ولا يضمّه إلى الغنيمة‏.‏ وقد اختلف الفقهاء في تحريق مال الغالّ للغنيمة، فقال الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة واللّيث‏:‏ لا يحرق ماله‏.‏ واستدلّوا بفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعدم تحريقه فعن ابن عمر قال‏:‏ «جاء رجل بزمام من شعر، فقال‏:‏ يا رسول اللّه هذا فيما كنّا أصبنا من الغنيمة، فقال‏:‏ سمعت بلالاً نادى ثلاثاً‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فما منعك أن تجيء به‏؟‏ فاعتذر‏.‏ فقال؛ كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك» أخرجه أبو داود‏.‏ ولأنّ إحراق المتاع إضاعة له، وقد نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وقال بإحراق مال الغالّ الحنابلة وفقهاء الشّام، منهم مكحول والأوزاعيّ والوليد بن هشام‏.‏ وقد أتي سعيد بن عبد الملك بغالّ فجمع ماله وأحرقه، وعمر بن عبد العزيز حاضر ذلك فلم يعبه قال يزيد بن يزيد بن جابر‏:‏ السّنّة في الّذي يغلّ أن يحرق رحله‏.‏ رواهما سعيد في سننه‏.‏ وقد استدلّوا بما روى صالح بن محمّد بن زائدة، قال‏:‏ «دخلت مع مسلمة أرض الرّوم، فأتي برجل قد غلّ، فسأل سالماً عنه، فقال‏:‏ سمعت أبي يحدّث عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا وجدتم الرّجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه‏.‏ قال‏:‏ فوجدنا في متاعه مصحفاً‏.‏ فسأل سالماً عنه، فقال‏:‏ بعه وتصدّق بثمنه»‏.‏ وروى عبد اللّه بن عمرو «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغالّ»‏.‏

36 - قال أحمد‏:‏ إن لم يحرق رحله حتّى استحدث متاعاً آخر وكذلك إن رجع إلى بلده، أحرق ما كان معه حال الغلول‏.‏

37 - ويشترط في الغالّ أن يكون بالغاً عاقلاً حرّاً، فتوقع عقوبة الإحراق في متاع الرّجل والخنثى والمرأة والذّمّيّ؛ لأنّهم من أهل العقوبة‏.‏ وإن كان الغالّ صبيّاً لم يحرق متاعه عند الحنابلة والأوزاعيّ؛ لأنّ الإحراق عقوبة، والصّبيّ ليس من أهل العقوبة‏.‏

38 - ويسقط إحراق متاع الغالّ إذا مات قبل إحراق رحله، نصّ عليه أحمد، لأنّها عقوبة فتسقط بالموت، كالحدود؛ ولأنّه بالموت انتقل المتاع إلى ورثته، فإحراقه يكون عقوبةً لغير الجاني‏.‏ وإن انتقل ملكه إلى غير الغالّ بالبيع أو الهبة احتمل عدم تحريقه، لصيرورته لغيره فأشبه انتقاله للوارث بالموت، واحتمل أن ينقض البيع والهبة ويحرق، لأنّه تعلّق به حقّ سابق على البيع والهبة، فوجب تقديمه كالقصاص في حقّ الجاني‏.‏

39 - وما لا يحرق للغالّ بالاتّفاق المصحف، والحيوان أمّا المصحف فلا يحرق، لحرمته، ولما تقدّم من قول سالم فيه‏.‏ وإن كان مع الغالّ شيء من كتب الحديث أو العلم فينبغي ألاّ تحرق أيضاً؛ لأنّ نفع ذلك يعود إلى الدّين، وليس المقصود الإضرار به في دينه، وإنّما القصد الإضرار به في شيء من دنياه، ويحتمل أن يباع المصحف ويتصدّق به لقول سالم فيه‏.‏

40 - أمّا الحيوان فلا يحرق ولنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يعذّب بالنّار إلاّ ربّها؛ ولحرمة الحيوان في نفسه؛ ولأنّه لا يدخل في اسم المتاع المأمور بإحراقه‏.‏

41 - ولا تحرق ثياب الغالّ الّتي عليه؛ لأنّه لا يجوز تركه عرياناً، ولا سلاحه؛ لأنّه يحتاج للقتال، ولا نفقته؛ لأنّ ذلك ممّا لا يحرق عادةً وللاحتياج إلى الإنفاق‏.‏

42 - ولا يحرق المال المغلول؛ لأنّ ما غلّ من غنيمة المسلمين، والقصد الإضرار بالغالّ في ماله وقيل لأحمد‏:‏ أيّ شيء يصنع بالمال الّذي أصابه في الغلول‏؟‏ قال‏:‏ يرفع إلى الغنم‏.‏

43 - واختلف في آلة الدّابّة، فنصّ أحمد على أنّها لا تحرق؛ لأنّه يحتاج إليها للانتفاع بها، ولأنّها تابعة لما لا يحرق فأشبه جلد المصحف وكيسه؛ ولأنّها ملبوس حيوان، فلا يحرق، كثياب الغالّ‏.‏ وقال الأوزاعيّ‏:‏ يحرق سرجه وإكافه‏.‏

ملكيّة ما لم يحرق

44 - جميع ما ذكر ممّا لم يحرق، وكذلك ما بقي بعد الإحراق‏.‏ من حديد أو غيره وهو لصاحبه؛ لأنّ ملكه كان ثابتاً عليه، ولم يوجد ما يزيله، وإنّما عوقب الغالّ بإحراق متاعه، فما لم يحرق يبقى على ما كان عليه‏.‏